ارتفعت "درجة توتر" في العلاقة بين المؤسسة العسكرية الرسمية في العراق وقيادات فصائل محلية مسلحة موالية لإيران تعمل ضمن قوات الحشد الشعبي، مع نهاية العمليات العسكرية الكبيرة ضد تنظيم داعش في أرجاء البلاد، فيما يلقي التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران بالمزيد من الضغط على هذه العلاقة.
وتحمّل الأحزاب العراقية الموالية لإيران المؤسسة العسكرية الرسمية العراقية مسؤولية التداعي الأمني الكبير أمام هجوم واسع لتنظيم داعش، صيف العام 2014، قاد إلى سقوط أجزاء واسعة من البلاد، كما تتهم بالخيانة قادتها الذين يردون بأن السبب يعود إلى الشحن السياسي والطائفي الذي طبع أداء حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
ومنذ وصول حيدر العبادي إلى منصب رئيس الوزراء، يمرّ أداء المؤسسة العسكرية العراقية بمنحى تصاعدي، حيث برهنت على قدرات قتالية كبيرة خلال الحرب على تنظيم داعش، ما قاد إلى تبدل نظرة حلفاء طهران في بغداد لها من كونها خائنة إلى الخضوع التام لأوامر الولايات المتحدة الأميركية.
ومنذ العام 2014، شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة والجيش العراقي تطورا كبيرا في التنسيق والتعاون، توّج بتشكيل قيادة عمليات مشتركة يعمل فيها ضباط أميركيون جنبا إلى جنب مع نظرائهم العراقيين في مختلف الأصناف القتالية التابعة للقوات المسلحة العراقية.
وتعامل الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران المؤسسة العسكرية الرسمية في العراق على أنها حليفة وثيقة للولايات المتحدة.
وتحرص الولايات المتحدة على التذكير بالدعم الذي تقدمه للمؤسسة العسكرية العراقية، التي يرتبط كبار قادتها، ولا سيما في جهاز مكافحة الإرهاب، بعلاقات وثيقة مع نظرائهم في الجيش الأميركي.

حيدر العبادي يركز على منع الاختراق الإيراني لحصانة المؤسسة العسكرية
ويقول مراقبون إن التوتر القائم في العلاقة بين واشنطن وطهران بدأت انعكاساته بالظهور على العلاقة بين مؤسسة الجيش العراقي وبعض الأطراف في قوات الحشد الشعبي، التي تملك إيران نفوذا مؤثرا عليها.
وبعد الانسحاب الأميركي من اتفاقية إيران النووية، وتلويح الولايات المتحدة بالخيار العسكري ضد الجار الشرقي للعراق، يخشى حلفاء طهران في بغداد أن تلعب المؤسسة العسكرية الرسمية دورا سلبيا ضدهم، بتسهيل استهداف مصالحهم أو المشاركة الفعلية في هذا الملف تحت غطاء فرض القانون.
ووفرت مرحلة الحرب على تنظيم داعش غطاء للفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران تتذرع به لاستعراض سلاحها في الشارع. ولم تكن نقاط التفتيش العسكرية التابعة للمؤسسة الرسمية قادرة على محاسبة الأشخاص الذين يحملون السلاح علنا في العاصمة العراقية، لأنهم “مجاهدون في الحشد الشعبي”.
وشاع في أوساط المؤسسة العسكرية الرسمية حديث عن نية إيران لخلق جيش عراقي رديف قوامه الفصائل الموالية لها.
ولكن إعلان النصر على تنظيم داعش من قبل رئيس الوزراء منح المؤسسة العسكرية دفعة لفرض سيطرتها داخل العاصمة العراقية، على الأقل، بعدما تلاشت ذريعة انفلات السلاح.
والشهر الماضي، حاصرت قيادة عمليات بغداد التابعة للجيش العراقي، مقرا لكتائب حزب الله العراقي، وهو أحد الفصائل الموالية لإيران، في شارع فلسطين شرق العاصمة، بعدما رفضت مجموعة من المسلحين الخضوع للتفتيش. وتبادل جنود نظاميون إطلاق النار مع أفراد المجموعة، الذين فروا إلى موقع قريب. ولم تغادر قوات عمليات بغداد الموقع إلا بعدما اعتقلت المطلوبين، برغم الوساطات الكثيرة التي قامت بها شخصيات عراقية بارزة مقربة من طهران.
ويقول مراقبون إن هذا الحادث لا يكشف عن نية ثابتة لدى المؤسسة العسكرية، لمواجهة تحدي السلاح الذي تفرضه الفصائل المدعومة من إيران، لكنه مؤشر على الحساسية المتزايدة في العلاقة بين الطرفين.
ولن تنسى المؤسسة العسكرية الرسمية محاولة وسائل الإعلام العراقية الممولة من إيران إظهار النصر، الذي تحقق على تنظيم داعش في العراق، على أنه محصلة لجهود الحشد الشعبي وليس الجيش النظامي الذي تكبد خسائر فادحة في هذه الحرب.
وأسهم فوز قائمة الفتح، التي تضم قيادات بارزة في الحشد الشعبي تدين بولاء شبه مطلق لإيران، بالمركز الثاني في الانتخابات التشريعية العامة، التي جرت في مايو، وفقا لمصادر سياسية في بغداد، في “تعميق الشعور بالخطر لدى كبار القادة في الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب، بشأن إمكانية أن تدعم إيران عملية تصفية نفوذهم داخل المؤسسة العسكرية، وربما تصفيتهم شخصيا، لضمان ولاء هذه القوة”.
وتشير هذه المصادر إلى حرص القيادات العسكرية العراقية على ضمان أعلى مستويات التنسيق مع الجيش الأميركي لضمان استمرار دعمه في حال تطورت الحساسية مع الفصائل الموالية لإيران إلى صراع مباشر.